هذا .. وهذه .. وهذه .. وهذه أيضا ، هل فاتني شئ ؟
أنظر إلى حقيبتي ثم أعيد العد مرة أخرى لأتأكد أن كل الأشياء معي . لدي مايزيد عن عشر فراشات وزهورا بكل الألوان ، إضافة إلى ثلاث سحابات بيضاء وقمر على شكل هلال ونجمتين .. لا أغلق الحقيبة . أتركها مفتوحة لأني أنوي الحصول على قطعة قماش بلون وردي أو بأخضر فاتح. أعرف أنها تحب هذين اللونين وأعرف أيضا حديثها عن المستشفيات وعن خوفها من الحوائط المصمته التى لا تسمح بنافذية الدفء أو الأصوات ، ورهبتها من النظرة المحايدة التي يلتزم بها الأطباء والتي يعطونها لجميع المرضى ، تماما مثل التزامهم بلون أبيض لجميع الأشياء . لون أبيض للملاءات ، للستائر، للأبواب ، لون أبيض للحوائط أيضا !! .. وللأرضية !! . آآآخ .. اللون الأبيض ؟ كيف نسيت !! . أفتح الدرج و أخرج منه الفرشاة و علبة ألواني ، أضعهم بالحقيبة أيضا و أبتسم للصورة اللتي رسمتها مخيلتي : سألون لها كل الأشياء ، الملاءات و الستائر والحوائط وكل مالايعجبه فيه الأبيض سألونه . قد لا يكفي ما معي من ألوان لتلون أبيض المستشفى بالكامل لكن بالتأكيد سيكفي غرفتها . غرف المستشفيات صغيرة على أية حال .
قبل أن أغادر البيت أتأكد من تنفيذي لوصايا أمي العشر فأتمم على الأنوار و مفتاح الغاز و صنبور المياة ثم أخرج . في الطريق أبتسم لجميع الأطفال فيعطونني في المقابل ابتسامات أخري أوسع أجمعها و أضعها كلها في حقيبتي . و حين قابلت نسمة هواء خفيفة طلبت منها أن تأتي معي ، في البداية رفضت لأن أمامها مسافات طويلة يحب أن تقطعها . لكن حين لمحت وسط الزهورالتي معي زهرة فل قالت سآتي معك شرط أن تعطيني زهرة الفل أمتلئ برائحتها . بالنسبة لي كان شرطها مكلفا جدا لأن هذه زهرة الفل الوحيدة التى أملكها و لها ذكرى رائعة بقلبي ولكن رغم هذا وافقت ، فنسمة الهواء ستكون رائعة حين أضعها في غرفتها بجوار الشاشة التي توضح رسم قلبها وقياسات ضغط الدم . كما أن الفراشات التي ستطير بسماء الغرفة ستكون بحاجة إلى نسمة هواء كي تفرد جناحاتها الصغيرة وتسكب ألوانها على ملابس الزائرين .
لأبد أن أحد الزائرين سيكون طويلا أليس كذلك ؟ و إلا فكيف سأثبت السحابات في السقف و السقف عالٍ ؟ تضايقني الفكرة .. ماذا لو لم يكن أحد الزائرين طويلا ؟ ترى هل يسمحون لي بأن أقف فوق كرسي ؟ ! . دقيقتين من التفكير و رسمة حيرة على وجهي أتخلص منها سريعا بعد أن أتوصل إلى قرار سعيد .. إذ لم أتكمن من تثبيت السحابات في السقف فسأحشي بهم وسادتها بدلا من القطن .. السحاب أرق من القطن وسيكون أنسب لأنها تستند إلى الوسادة فترات طويلة . و الباقي من السحاب سأصنع منه غزل البنات ، أعطيها منه جزءا صغيرا فقط والجزء الأكبر سيكون لي لأني أحب غزل البنات ولأنها صديقتي فيمكني استغلال الفرصة واظهار بعض الانانية .
أقف أمام باب غرفتها قليلا قبل أن أفتحه وأ نظر إلى حقيبتي مرة أخرى . أفكر في أنها ستفرح جدا حين تمتلىء غرفتها بصخب الألوان والبهجة وستفرح أيضا بالهلال و النجمتين حين أثبتهم على الحائط المقابل لسريرها بحيث تصنع النجمتان عينين ويصنع الهلال فما فتكون النتيجة وجها مبتسما ينظر إليها دائما فتبادله الابتسام . أتخيل وجهها المبتسم ثم أعدل من وضعية حقيبتي على كتفي . أطرق الباب و أدخل .