يتم التشغيل بواسطة Blogger.
RSS

ترتيب


يتعرف جديداً على المشاعر ويعيد ترتيبها وفق ما يريد ... فيضع طعماً أبيض يخص فرحة المطر و خفة تشبه ضحة الصغار و على أطراف الروح يضع شغفاً يليق بالبدايات الجديدة وحنيناً يناسب الغياب . يحيره شئ واحد غريب لا يعرف مسماه ، خليط من حزن شفاف و وجع خفيف ، يعرف فيما بعد أنهما معاً يسميان شجن . في البداية اختلط عليه الأمر .. فهو يعرف الحزن وحده و يعرف الوجع وحده . الأول يشبه عصفور الكناريا الأزرق الصغير في بلكونة الجيران الذي كف عن الغناء بعد أن اختفت أليفته و الأخير يشبه روحاٌ مثقلة بكلام لا يجد نافذة واحدة للبراح .. هل يمكن لأحد أن يتحمل كل هذا ؟! .. يشعر ببرودة فيسرع بوضع الشجن بقطعة من الروح تطل مباشرة على الرئتين كي يسهل عليه التنفس إذا ماتعرض لشجن مماثل ثم يتغاضى عمداً عن التفكير و ينتقل إلى أشياء أخرى ... يذهب إلى الصالة .

في الصالة يجد أرففاً كثيرة امتلأت بمشاعر يعلوها الغبار و الأتربة . يلتقط واحدة تشبه جاره المسن الذي يصر - منذ سنتين - على أن يصنع إفطاراً و غداءاً لشخصين رغم أنه أصبح يسكن وحده ، ينفض عنها الغبار و يسميها ونس ثم يضعها وسط روحه تماماً بجوار أربع ضحكات رائقة جمعها طوال الأسبوع الفائت . يكمل ترتيب باقي الأشياء ... البهجة في قلبه و الفرحة بعينيه ، و الدفء يضعه بأطراف أصابعه كي لا تبرد ثانية وكي يتمكن من صناعة مراكب ورقية بيضاء و صغيرة لا تكتسب بقعاً داكنة و لا تغرق .

ينظر إلى كل ماتحمله روحه الآن فلا يجد إلا جزءاً وحيداً لم يمتلئ بشئ بعد ، يبحث خلف الستائر و في الدولاب القديم المتهالك و لا يجد شيئاً ، يخرج مرة أخرى إلى الصالة. تتعثر قدمه بصندوق صغير ملقى بإهمال على الأرض ما أن يفتحه حتى تتصاعد منه برودة قوية .. يرتعش و يغلقه فوراً . يغمض عينيه بقوة ويحاول تخمين الشئ الذي يسبب كل هذه البرودة .. يفشل .

يقترب أكثر من الصندوق و يفتحه ببطء . تعاود البرودة الانتشار من جديد و ببطء أيضاً . لا يغلقه هذه المرة .. يأخذه ويقترب من مصدر النور ، يجد بداخله حلماً مكسوراً إلى قطعتين ورائحة قهوة وحيدة وصباح خير تدور وحدها تبحث عن صباح نور . يحملهم جميعاً ، يعيد إصلاح الحلم ويضعه في الجزء الفارغ من روحه ، يصنع فنجان قهوة يملئ برائحته المكان ويؤنس الوحيدة في الصندوق ، و يشبك بصباح الخير صباح نور فتقل البرودة إلى حد كبير ويبدأ صوت غناء بسيط .. " ارمي لنسمة هوا أحمالك وامشي خفيف .. زي الطيف " يلتقط الصوت بهدوء ويضعه بجزء صغير للغاية من روحه بجوار أذنيه تماماً . يغمض عينيه ويسلم نفسه لموجة دافئة يعرف أن اسمها أمان .


  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS