كقطعةِ روح ٍ لم يمسَّها الوجع كنهار ٍ جديدٍ يبدأ للتو
كمثل ِ هذا و أكثر ، ضحكتـُهم ..
يضحكون فيمتددُ نهرٌ صغيرٌ بين الرئتين . يمتدُ أكثرَ ، يفِـيض ، فتختفي كلُ آلام ِ التنفس التي تصاحبـٌني فجـأة .
أقضي نصفَ نهار ٍ برفقةِ عشرُ أصدقاء طيبين يحاولون مواجهة الخلـل الغريب الذي تسبّبَ - لكـُل ِ هؤلاء الأطفال - في أن يفقدوا حقـّهم البسيط في حياةٍ طبيعية . ننهمكُ جميعاً في اللعب معهم ببالوناتٍ ملوّنة ، يفرحون ، أحاولُ أن أفرح . أحاولُ أن أزيحَ عن بالي صورة خلايا كثيرة تتكاثرُ بقوضويةٍ داخلَ أجسادِهم الهشـّة .. لا أنجح ! . أنتبه على صوتِ الطبيبِ الذي يرافقنا ، يؤكد ضرورةَ التزامنا بغطاء ِ الفم ِ والأنفِ حفاظًا على الأطفال . يقول : " الأطفال المصابون بالسرطان ِ يملكون جهازَ مناعةٍ ضعيفاً جدًا و لا يستطيع المقاومة " . أحاولُ استيعابَ الكلمتين ِ المكررتين هنا في كـُل ِ غرفةٍ ، في كـُل ِ طابقٍ : سرطان الأطفال !! .. لا أستوعب . لماذا يأتي سرطان ، أي سرطان ، لأطفال ؟! .
في الغرفةِ الكبيرة المزوّدة بأغطيةٍ ملونة ، و شاشاتِ تليفزيون ، ينشغلون بمتابعةِ توم وجيري ، يضحكون لأقل ِ حركةٍ يقوم بها الفأرُ الصغيرُ ليوقـعَ - كالعادةِ - بالقط . لا أتابعُ توم وجيري ، أتابعـُهم . أتابعُ ملامحَهم الرقيقة جدًا ، ملامحٌ تملكُ صفاءً غريباً رغم شحوبـِها الواضح . يضحكون مرةً أخـرى ، دفعةً واحدة . ضحكاتـُهم تـُشبهُ فراشاتٍ صغيرةٍ تنفلتُ منهم وتطير ، الآن تمتلئ الغرفةُ بفراشاتٍ كثيرةٍ ترِفٌّ حولـَهم بجناحين ملونين لتستقرَ بعدَها فوقَ قلوبـِهم تمامًا ، فتصفو وجوهـٌهم أكثر أكثر .
الصغيرةُ التي بجواري تضحك ، و تشبك بطرف ضحكتها صقفةَ قوية لأجل ِ جيري ، لأجل ِ مقلبٍ مضحكٍ صنعه بـ توم . أضحكُ بصوتٍ عالٍ من فعلتها ، تنتبه لوجودي .. تخجل ، و حين أصفقُ أنا أيضًا ، تنسى خجلـَها و تضحك . تنفلت فراشةٌ بيضاء وترفٌ دقيقتين لتستقرَ فوقَ قلبي هذه المرة .
في نهايةِ اليوم ِ أعودُ إلي البيتِ بنهر ٍ صغير ٍ بين الرئتين و بملء الكفين فرحةٌ صافية . أفكـّر : " سيكفياني لوقتٍ طويلٍ ، طويلٍ جداً " . أذكرُ هديةً من صديقٍ لي ، كتابٌ أحبهُ و أحبُ لونـَه الغريب الذي لا أعرفُ اسمه . و كطقس ٍ صغير ٍ يخـُصني و اعتدتـُه منذُ فترةٍ ، أفتحُ الصفحةَ الأولى ، أقرأ الاهداء :
إلى منى سلامة
ربنـّا يفرّحهـَا
و يدّخلهـَا الجنـّة
آمين ..
أقرأ مرةً أخرىَ . تسعدُني فكرةُ تحقق النصف الأول من الدعوة ، أتمنـّى على اللهِ النصفَ الآخرَ و أردد : أمين .. آمين .
قبلَ أن أنامَ أنظرُ إلى قلبي ، أرى تقاط َ الشفاء ِ البيضاءَ تتسـع . أقول لنفسي : " علامة جيدة " ، و أبتسم ، فتتسع نقطة جديدة .